LOADING

Type to search

تطور الاستثمارات الصينية – السعودية بين الواقع والضرورة

شارك

وائل خليل ياسين، رئيس مركز الشرق الاوسط  للدراسات و التنمية، استشاري متخصص بحوث سياسات مجلس الدولة الصيني لشؤون غرب اسيا و شمال افريقيا .

لم تعد قراءة العلاقات الصينية والشرق أوسطية مجرد بروتوكولات بين دولتين تحترمان بعضهما البعض، إنما تحولت بفعل التراكمات الإيجابية الى إستراتيجية في الاداء والعلاقة الوازنة وفق رؤية ثاقبة لمصلحة الشعبين في الشرقين الأوسط والاقصى وتقدمهما وخروجهما من حالة الانتظارية الى حالة الاطلاق والمبادرة.

فإنتقال العلاقة مع دول الخليج العربي بسرعة من البرودة الى الحماوة حتى سلكت مسلكاً حيوياً وذا مصلحة وازنة من شأنها أن تعزز النمو المستدام، وذلك من خلال التطوير الاقتصادي الاستثماري المتنوع.

أما الوثبة المتقدمة مع المملكة العربية السعودية تعززت مع استلام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وادارة ولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان الذين نقلا العلاقة بين الصين والمملكة من الإهتمام الى دائرة العمل الإستثماري المتبادل في الخبرات بين البلدين، مما رفع من قيمة الاستثمارات بشكل ملحوظ، وهذا ايضاً ما افيد عن طلب صندوق الثروة السعودي قيمته 450 مليار دولار للإستثمار الأجنبي في الصين، حيث سيمنح الترخيص بتداول الأسهم بالعملة الصينية أيضاً.

وهنا تعرض الرؤيةَ الصينية لمبادرة “الحزام والطريق”، الإمكانات الواعدة التي ستقدمها لمنطقة الشرق الأوسط، وتناقش التحديات التي ستواجهها المبادرة، وكيف يمكن لها أن تتعامل معها، والمتمثلة بالخلافات السياسية بين دول المنطقة والاضطرابات التي تشهدها.

ووفق هذه الرؤية أطلق وزير خارجية الصين وانغ يي في السعودية أثناء زيارته للرياض العام الماضي مبادرة الصين لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر تضمنت النقاط التالية :

أولا – الدعوة إلى الإحترام المتبادل واعتماد هذا المبدء اساس للتعاملات بين دول المنطقة ووجوب احترام جميع دول العالم لخيارات هذه الدول وشعوبها .

ثانيا – الالتزام بالإنصاف والعدالة اساساً لحل النزاعات والقضية الفلسطينية واعتبار حل الدولتين هو القاعدة الاساس لها عن طريق المفاوضات .

ثالثا – تحقيق عدم انتشارالأسلحة النووية و السعي لعودة سريعة للاتفاق  النووي الايراني.

رابعا – العمل سوياعلى تحقيق الامن الجماعي عبرالسعي  لحل النزاعات ووضع اطار امني مشترك في المنطقة يؤدي الى الاستقرار .

خامسا – تسريع وتيرة التنمية والتعاون.

فهذه المبادرة تأتي استمراراً لنجاح اقتراح الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013  “حزام واحد، طريق واحد”، المعروف بطريق الحرير الجديد، ما يعطي حافزاً قوياً وملحاً لأن تأخذ العلاقة دوراً محورياً واستثمارياً بشكل واسع وكبير، هذا ما يعزز عمل ورقة المبادرة والتي تقوم أساساً على دينامية خاصة تجعل التعاون في مجال الطاقة وإنشاء البنى التحتية هو الأساس لعولمة أكثر شمولًا وانفتاحًا، وتقوم على التبادل الاقتصادي والتجاري المنظم على طول مسار طريق الحرير الجديد. وتعرِض لأهم الإجراءات التي اتخذتها الصين لإنجاح المبادرة بشكل عام، مثل إنشاء البنك الآسيوي، وبشكل خاص في علاقتها مع دول الشرق الأوسط حيث تأسَّس المنتدى العربي- الصيني، اضافة الى الاستثمارات الصينية التي ستسهم في الصناعات غير النفطية في الخليج،كما ستسعى المبادرة لتحقيق الاستقرار الذي هو أساس لنجاحها.

انطلاقاً من العمل بسلسلة برامج مشتركة سعودية صينية تهدف الى تشجيع الاستثمارات الصينية في المملكة وتحمل لهذه البرامج تسهيلات عدة تبداء باجراء مؤتمرات مشتركة صينية سعودية استثمارية، وانشاء شركات تسويقية تعمل على ابتكار المشاريع وتقديم دراسات ذات جدوى مع السعي لايجاد شركاء من كلا الطرفين، وفي هذا الخصوص لا مناص من تشجيع الشركات في كافة المجالات وبكافة المستويات، حيث ان هناك فرص ضخمة يمكن الإستفادة منها على سبيل المثال لا الحصر، الصناعات البيتروكميائية وصناعة التكنولوجيا ولا سيما الذكاء الاصطناعي، اضافة الى الصناعات المتعلقة بإعادة تدوير النفايات وصناعة الأنظمة الخاصة بمعالجة انبعاثات الكربون.

أما في المجال الزراعي فمن الممكن التركيز على انشاء شركات في مجال الزراعة الذكية ومكافحة التصحر ما ينسجم مع مبادرة المملكة الخضراء.

وفي مجال البنية التحتية المجالات كبيرة وواسعة جداً، تبداء بالإستثمار في مشاريع البناء العقارية وانشاء الطرق السريعة وفق أليات شراكة وسكك الحديد والمترو والمطارات والموانيء والأنفاق والقنوات المائية وجرها وسط المملكة التي من شأنها تطوير الشحن البحري والنقل والمناخ.

لذلك فإن المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، ودول أخرى، تبحث مع الصين سبل تطوير التعاون في مجال تأسيس أقطاب صناعية، فكانت الانطلاقة أن الصين ناقشت الآفاق التي تحملها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الأردن 2025 وعلاقتهما بمشروع “الحزام والطريق”.

 وفي هذا المضمار أصبحت الصين أمام مسؤولية تذليل العقبات الناجمة من التحديات والاضطرابات والصراعات التي تهدد استقرار العديد من الدول القائمة على خطوط مشروع “الطريق والحزام”. خاصة أن الصين لا تقيم الاحلاف ولا تستثمر في الحروب والنزاعات. بل تعتمد في سياساتها بناء الشركات مع الجميع على قاعدة الشراكة وعدم الانحياز لأي طرف.

فمن شآن تطور هذه العلاقة أن تكبح جموح المستثمرين في الاضطربات والتي جعلت المنطقة فوق صفيح ساخن، إن من خلال التباين والتوتر بين إيران والسعودية من جهة وبين إيران وتركيا من جهة أخرى، عدا عن الصراع العربي الاسرائيلي، هذا ما ساهم في ابقاء البنية الاقتصادية لدول المنطقة هشة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وإسرائيل.

من هنا ينحو المواطن العربي وتحديداً الخليجي بإتجاه القارة الصفراء لما فيها من نمو اقتصادي غير مسبوق، لأن يتغلب على حالة عدم الاستقرار ويواكب النمو السكاني والتطور المجتمعي، وكثيراً ما سبب ذلك بتعديل استراتيجياتها الإنمائية، وقد بينت الأرقام أن النمو الاقتصادي في بعض البلدان يسير في اتجاه تصاعدي، ونتيجة لهذه التطورات أبدى وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح

بالجهود الدؤوبة من الصين لتحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق، والتي توافق الرياض في رؤية المملكة 2030 وضرورة إحياء مسارات التجارة القديمة التى تقوم على خطط الخصائص والأفكار المشتركة.

ووفق هذا المنطلق بدأت تتسارع علاقة التبادل التجاري بين الصين والدول الخليجية، فقد استوردت الصين في العام 2015 ثلث احتياجاتها النفطية ونفس النسبة من الغاز المسال من دول الخليج.

التطور التصاعدي للإقتصاد الاستثماري

 يتوقع أن تصل قيمة مبادرة الحزام والطريق إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027، ومن الطبيعي أن يساعد في تغيير المنطقة من خلال إثراء التنمية الاقتصادية والاستثمار الداخلي وخطط التنويع، بما في ذلك الطاقة المتجددة. ونظراً للضغوط الزمنية على العديد من دول الخليج العربية لتحقيق أهداف الإصلاح الإقتصادي أو “الرؤية” بحلول عام 2030،

وشجعت متانة العلاقة على زيادة مبادرات التعاون الاقتصادي من 240 مليار دولار في 2013 لتصل إلى 600 مليار دولار في 2023، على خلفية توثيق أواصر التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال آليات والحوارات الإستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون التي انطلقت في عام 2010، حيث ارتفع معدل النشاط التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون من أقل من 10 مليارات دولار في عام 2000 ليصل إلى ما يقارب 115 مليار دولار في عام 2016. ووصلت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين عامي 2005 و2020 إلى ما قيمته 196.93 مليار دولار، مع السعودية (39.9 مليار دولار) والإمارات (34.7 مليار دولار) وهما الوجهتان ذات الأهمية الخاصة.

كما أن الاستثمار في البنية التحتية والتجارة الإلكترونية والسياحة، يمكن أن تعزز استراتيجيات التنويع الاقتصادي لدول الخليج والعلاقات بين الشعوب، إلا أن هناك تفاوتاً في الاستثمارات الصينية والبناء عبر دول الخليج، وأكثر من ذلك عبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كلما توسعت مبادرة الحزام والطريق كلما تصاعدت العلاقات الاستثمارية بين الصين ودول الخليج، وهنا لا بد من توسيع دائرة التبادل الثقافي واقامة الندوات واللقاءات وورش العمل الحوارية والمعارض لدى الطرفين، من أجل إعادة تنظيم استراتيجيات الحوكمة في ظروف عالمية، وإقليمية وداخلية جديدة من شأنها تعزيز الديمقراطية.

فنجاح النظام الالكتروني وتقنية الذكاء الاصطناعي، والتي تشير التقديرات إلى أنها قد تصل في دول السعودية وقطر والبحرين والإمارات إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030، بما يساهم ذلك في مكافحة الارهاب ومتطلبات السلامة الحضرية.

لا بد في هذا الحقل من التركيز على تحويل القوة الاقتصادية إلى عامل اساسي يساهم في الاستقرار الامني والسياسي، وترسيخ الإبداع والقدرة على تشكيل المؤسسات الدولية الرئيسية. من الناحية الاقتصادية، فإن انطلاق شبكة المحمول من الجيل الخامس (G5)، وهي جزء من طريق “الحرير الرقمي”. فالصين حريصة كل الاهتمام لمعايير السلامة النووية وعدم انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط  وخارجه.

رؤية نهضوية

 ترسخ لدى الغرب على مر التاريخ أن الإحتلال والإستعمار يفرض سياسة  تقوم على “الهيمنة” ومعايير الاستقواء، أما حالياً مع تصاعد النهضة الجماعية للدول النامية وفي مقدمتها الصين ودول الشرق الأوسط، بدأ يفرض متغيرات كبيرة في العالم ستعيد للشعوب حقوقها عبر ترسيخ مفاهيم جديدة قائمة على التعددية والتعاون بهدف بناء مستقبل مشترك أفضل للبشرية جمعاء.

وانطلاقاً من استراتيجية الصين الثابتة والمبنية على مبدأ التنمية والتشارك والتعاون السلمي وفق سياسة الربح المشترك وقاعدة انه لا يمكن ضمان استمرار تنمية امة ما لم يتم ضمان تنمية الامم الاخرى، لذا نرى انه من الضروري السعي لإحلال السلام والاستقرار لايجاد الارضية المتعطشة للتنمية من أجل بناء مجتمع افضل، وتجلت في مبادرة “الحزام والطريق” اضافة الى اطلاق منظمات للتعاون منها شنغهاي ومجموعة البريكس وغيرها.

أهمية هذه المبادرة أنها تلزم جميع الأطراف التعاون المشترك بهدف الربح المشترك، وتبشر بعالم تعددي يحفظ لكل شعب حقه ودوره وفق مفهوم بعيداً عن الأحلاف والتكتلات العسكرية، لكونها تعمل بعقلية الحرب الباردة وبناء شبكة واسعة من الشراكات الإستراتيجية إعتماداً منها على قوتّها الإقتصادية المتنامية مما يخلق بيئة تعاونية متعدّدة الأقطاب مواتية لها ومعادية لنزعة الهيمنة.

الخاتمة

ومن ما سبق تأتي مبــادرة الحــزام والطريــق نافذة لــدول مجلــس التعــاون الخليجــي، ليس لأنها فرصة جديــدةً لركــوب موجــة العولمــة انما للاســتفادة مــن الموجــة الأولــى للعولمــة وذلك نتيجــة لوضعهــا كــدول رئيســية مصــدرة للطاقــة، وبإعتبار أن الطاقــة لا تــزال عنصــراً هامــاً فــي الســباق الاقتصــادي، فــإن المبــادرة يمكــن أن تشــجع الإندمــاج الإقليمــي فــي مجــال الطاقــة بوســائل منهــا نقــل الكهربــاء وأنابيــب الغــاز والمشــاريع الإســتراتيجية لتخزيــن الطاقــة ومنهــا خدمــات التخزيــن.

ومستقبلاً يمكــن لدول مجلس التعاون الاستفادة مــن الفــرص الناتجــة عــن مبــادرة الحــزام والطريــق فــي تنويــع هياكلهــا الاقتصاديــة.

 فالجهــود الراميــة لتقليــل الإعتمــاد الإقتصــادي علــى صــادرات الطاقــة ومواصلــة الترويــج لمكانتهــا المتناميــة كمركــز مالــي ولوجيســتي وكمركــز للنقــل يمكــن أن تشــهد نقلــة كبيــرةً عنــد المشــاركة فــي مشــاريع المبــادرة. ويتيح لدول مجلــس التعــاون الخليجــي دخــولها فــي اســتثمارات مشــتركة مــع الصيــن فــي مشــاريع البنيــة التحتيــة فــي الــدول الأخــرى المشــاركة فــي المبــادرة. وقــد يــؤدي ذلــك إلــى تعزيــز الترتيبــات متعــددة الأطــراف ما يعــزز مــن الحضور الدولــي لــدول مجلــس التعــاون الخليجــي بمــا يتجــاوز المنطقــة

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *